أسباب ومخاطر الغصة المفاجئة

الغصة (الشرقة): الاختناق المفاجئ بين الأسباب والمخاطر والوقاية

تُعدّ الغصة أو ما يُعرف في اللهجة العامية بـ”الشرقة” من الحالات المفاجئة التي قد تُصيب الإنسان أثناء تناول الطعام أو الشراب، وتُعرف طبيًا باسم الاختناق الجزئي أو الكامل (Choking)، وهي حالة طارئة تستدعي تدخلاً سريعًا، نظرًا لما قد تُسببه من مضاعفات خطيرة قد تصل إلى الوفاة في غضون دقائق، إذا لم يتم التعامل معها بشكل فوري وصحيح.

تمثل هذه الظاهرة أحد أهم الأسباب الشائعة للوفاة غير المتعمدة، خصوصًا بين الأطفال وكبار السن، وهي من أكثر المواقف التي تُصيب الإنسان بالهلع نظرًا للتوقف المفاجئ للتنفس. وتكمن خطورتها في انسداد مجرى الهواء، سواء بشكل كلي أو جزئي، نتيجة دخول جسم غريب، عادة قطعة من الطعام، إلى القصبة الهوائية بدلًا من المريء.

التعريف الطبي للغصة أو الشرقه

الغصة هي حالة يحدث فيها انسداد جزئي أو كلي في القصبة الهوائية بسبب دخول جسم غريب، غالبًا ما يكون طعامًا أو سائلًا أو أداة صغيرة، مما يعيق تدفق الهواء إلى الرئتين. ويُعد الاختناق الكامل أشد خطورة من الجزئي، حيث يتم قطع الأكسجين تمامًا عن الدماغ، مما قد يؤدي إلى فقدان الوعي أو حتى الموت خلال دقائق قليلة.

آلية الحدوث

في الوضع الطبيعي، عندما يبتلع الإنسان، يُغلق لسان المزمار (Epiglottis)، وهو غشاء صغير يقع في قاعدة اللسان، مجرى الهواء بشكل مؤقت حتى تمر اللقمة إلى المريء بأمان. لكن في حالات معينة، خصوصًا أثناء الضحك أو الحديث أثناء البلع، قد يتعطل هذا التنسيق، مما يسمح بدخول جزء من الطعام أو السائل إلى القصبة الهوائية بدلًا من المريء، مسببًا ما يُعرف بالغصة أو الشرقه.

الأعراض والعلامات المميزة

تظهر أعراض الغصة بسرعة شديدة، وقد تختلف حدتها بحسب درجة انسداد مجرى الهواء:

في حال الاختناق الجزئي:

• القدرة على إصدار صوت خافت أو سعال قوي.

• صعوبة واضحة في التنفس.

• شعور بالاختناق أو ضيق في الصدر.

• احمرار في الوجه.

• سعال متكرر لمحاولة إخراج الجسم العالق.

في حال الاختناق الكامل:

• عدم القدرة على الكلام أو السعال.

• اختفاء الأصوات.

• اتساع العينين وظهور علامات الذعر.

• تحول لون الوجه والشفتين إلى الأزرق (زرقة).

• فقدان الوعي في حال استمرار الانسداد.

• توقف التنفس.

الفئات الأكثر عرضة للاختناق

تشير الإحصائيات الطبية إلى أن هناك فئات أكثر عُرضة للغصة أو الشرقه، وتشمل:

الأسباب الشائعة للغصة

1. تناول الطعام بسرعة دون مضغ كافٍ.

2. الحديث أو الضحك أثناء الأكل.

3. بلع أشياء صغيرة كالأزرار والعملات المعدنية (عند الأطفال).

4. استخدام طقم أسنان غير ثابت.

5. التخدير أو تناول الكحول بكميات كبيرة.

6. وجود أمراض عصبية كالسكتة الدماغية أو باركنسون.

الإسعافات الأولية عند حدوث الغصة

الإسعاف السريع والدقيق هو ما يفصل بين الحياة والموت في حالة الاختناق، وتتمثل إجراءات الإسعاف الأولي فيما يلي:

1. تشجيع الشخص على السعال بقوة:

إذا كان الشخص قادرًا على السعال أو إصدار صوت، يجب عدم التدخل الفوري، بل تشجيعه على الاستمرار في السعال لطرد الجسم العالق.

2. الضربات على الظهر (Back Blows):

• يتم إمالة المريض إلى الأمام.

• توجيه 5 ضربات قوية على منتصف الظهر بين الكتفين باستخدام كف اليد.

3. مناورة هيملتش (Heimlich Maneuver):

• الوقوف خلف المصاب، وضع الذراعين حول خصره.

• وضع قبضة اليد أسفل القفص الصدري مباشرةً.

• الضغط بقوة إلى الداخل والأعلى لإحداث دفع هوائي يُخرج الجسم العالق.

4. في حال فقدان الوعي:

• الاتصال الفوري بالطوارئ.

• البدء بإنعاش القلب والرئتين (CPR) إذا كان الشخص لا يتنفس.

• محاولة إزالة الجسم العالق إن كان مرئيًا في الفم دون إدخال الأصابع عشوائيًا داخل الحلق.

الغصة عند الأطفال: حالات خاصة

الأطفال دون سن الخامسة هم الأكثر عرضة للاختناق بسبب حبهم لاستكشاف الأشياء بفمهم. ويحدث معظم حالات الغصة نتيجة:

• تناول المكسرات والحبوب الصغيرة.

• بلع الألعاب أو أجزاء منها.

• أكل قطع طعام كبيرة مثل التفاح أو الجزر غير المقطع.

العلامات التحذيرية:

• الكحة المفاجئة أو الصمت أثناء البكاء.

• تغير لون الجلد إلى الأزرق.

• صعوبة في التنفس أو فقدان الوعي.

يُوصى بتعلّم إجراءات الإسعاف الخاصة بالأطفال الرضع والصغار، حيث تختلف عن الكبار في الأسلوب والقوة المستخدمة.

الغصة المزمنة أو المتكررة: دلالة على مرض خطير

في بعض الحالات، قد يُعاني الشخص من غصات متكررة حتى أثناء شرب الماء أو اللعاب، وهي علامة على وجود خلل في آلية البلع العصبية أو العضلية. وقد ترتبط هذه الحالات بـ:

• أمراض عصبية مثل التصلب الجانبي الضموري أو التصلب المتعدد.

• ضعف في العضلات البلعومية.

• أورام في المريء أو الحنجرة.

• جلطات دماغية سابقة.

يجب في هذه الحالة مراجعة طبيب مختص في أمراض الأعصاب أو الأنف والأذن والحنجرة لإجراء فحوص متخصصة مثل التنظير أو الأشعة بالصبغة.

الوقاية من الغصة

تكمن الوقاية في إدراك الأسباب واتخاذ الإجراءات الوقائية خاصة مع الفئات المعرضة للخطر:

للأطفال:

• تجنب إعطائهم المكسرات، العنب الكامل، قطع الجزر النيء.

• تقطيع الطعام إلى قطع صغيرة مناسبة.

• عدم تركهم يلعبون بأشياء صغيرة.

للبالغين:

• عدم التحدث أو الضحك أثناء الأكل.

• تناول الطعام ببطء والمضغ الجيد.

• شرب الماء بعد تناول الطعام الجاف.

• تثبيت طقم الأسنان بشكل جيد.

• الانتباه عند تناول المهدئات أو الأدوية التي تُسبب النعاس.

التوصيات الطبية العامة

• يُوصى بتعلّم مبادئ الإسعاف الأولي الأساسية لجميع أفراد الأسرة، خصوصًا مناورة هيملتش CPR، حيث تُعتبر منقذة للحياة.

• يجب على المدارس ودور الحضانة تدريب الموظفين على طرق التعامل مع الغصة.

• ضرورة مراقبة الأطفال أثناء تناولهم الطعام أو اللعب.

• في حالة الغصات المتكررة أو الشعور بصعوبة في البلع، يجب عدم إهمال الأمر ومراجعة الطبيب المختص لتشخيص الحالة بدقة.

خاتمة علمية

الغصة ليست مجرد حالة عرضية بل تمثل خطرًا طبيًا قد يكون قاتلًا في ثوانٍ، وتُظهر أهمية الفهم العميق لأسبابها وآلية حدوثها وطرق الوقاية منها. إن التثقيف الصحي المتكامل وتعلّم الإسعافات الأولية ضرورة حيوية لكل فرد في المجتمع، خاصة في ظل ازدياد عدد الحالات المرتبطة بالاختناق العرضي سنويًا. من هنا تنبع الحاجة لتعزيز الوعي بأهمية البلع السليم وتناول الطعام بهدوء وحرص، خصوصًا لدى الفئات الهشة كالأطفال وكبار السن.

المصادر:

1. Mayo Clinic. “Choking: First aid”.

2. American Red Cross. “Choking Emergencies and Heimlich Maneuver”.